آخر الأخبار

صادرة عن مركز الأسرى للدراسات

دراسة / وثيقة الأسرى لا زالت مفتاح المصالحة الفلسطينية وانهاء الإنقسام - الباحث د. رأفت حمدونة

صادرة عن مركز الأسرى للدراسات

بسم الله الرحمن الرحيم

"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا"

انطلاقا من الشعور العالي بالمسؤولية الوطنية والتاريخية ونظرا  للمخاطر المحدقة بشعبنا، وفي سبيل تعزيز الجبهة الفلسطينية الداخلية وصيانة وحماية الوحدة الوطنية ووحدة شعبنا في الوطن والمنافي، ومن أجل مواجهة المشروع الإسرائيلي الهادف لفرض الحل الإسرائيلي، ونسف حلم شعبنا وحق شعبنا في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة الكاملة السيادة، هذا المشروع والمخطط الذي تنوي الحكومة الإسرائيلية تنفيذه خلال المرحلة القادمة تأسيسا على إقامة واستكمال الجدار العنصري وتهويد القدس وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية والاستيلاء على الأغوار وضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية وإغلاق الباب أمام شعبنا في ممارسة حقه في العودة.

ومن أجل المحافظة على منجزات ومكتسبات شعبنا التي حققها من خلال مسيرة كفاحه الطويل ووفاء لشهداء شعبنا العظيم وعذابات أسراه وأنات جرحاه ، وانطلاقا من أننا ما زلنا نمر في مرحلة تحرر طابعها الأساسي وطني ديمقراطي مما يفرض إستراتيجية سياسية كفاحية متناسبة مع هذا الطابع.

ومن أجل إنجاح الحوار الوطني الفلسطيني الشامل، واستنادا إلى إعلان القاهرة والحاجة الملحة للوحدة والتلاحم، فإننا نتقدم بهذه الوثيقة [1].

 بهذه الكلمات المسؤولة ، وبكل ذلك الإنتماء المتجذر للشعب والوطن فى أعماق التاريخ ، وبذلك المستوى والإدراك والحرص على المصالح الوطنية العليا ، والتنبؤ والإستشراف بالمستقبل القريب والبعيد لمجمل القضية الفلسطينية ، بدأ الأسرى مقدمة وثيقتهم التى عرفت " بوثيقة الأسرى " في مايو/أيار 2006 ، والتي توصل إليها قادة الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة " باسم كافة الأسرى " كإحدى أهم مظاهر الإبداع التى خرجت باسمهم من داخل السجون الإسرائيلية  .

فى هذه الدراسة سيتناول الباحث عدد من الموضوعات منها ، أسباب الإنقسام الفلسطينى وآثاره وتداعياته ، ومبادرة الأسرى بالكثير من النقاشات والحوارات فى السجون لتجنيب شعبهم ويلاته ، والتعريف بقادة الفصائل صنَّاع الوثيقة ، والعناصر الأساسية التى حرص الأسرى التأكيد عليها من خلالها ، ومدى صلاحيتها حتى تاريخ الدراسة فى تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية .

أولاً ، بدايات الإنقسام الفلسطينى :

شهدت الساحة الفلسطينية فى 14 يونيو / حزيران 2007 حدثاً أشبه بالزلزال السياسى ، أطلقت عليه حركة فتح مصطلح " الإنقلاب " ووصفته حركة حماس " بالحسم " ونعته المحايدون " بالإنقسام " وشهدات سنواته الكثير من الأحداث والمحطات ما بين التوتر والإشتباكات والمواجهات المسلحة ، وبين الحوارات والمفاوضات والإتفاقات فى فلسطين بلقاءات مباشرة ، وخارجها بوساطات عربية مصرية وسعودية وقطرية وغيرها .

ومن المحللين والكتاب مَنْ أعاد جذور الإنقسام لأسباب تتعلق بفترات سابقة ممتدة لها جذورها الفكرية والأيدلوجية والبرامج والأهداف ، ومنهم من أعاده إلى ما بعد انطلاق حركة حماس ، ومشاركتها الجماهيرية والعسكرية فى الانتفاضتين ( 1987 – 2000 ) ، ومن ثم ممارسة دورها السياسى ما قبل وبعد اتفاقية أوسلو 1993م ، إلا أن الباحث سيقتصر فى بحثه على الأسباب المباشرة " أى ما بعد الانتخابات الفلسطينية الثانية التى جرت فى 25 كانون ثاني/ يناير 2006 ، والاشتباكات المسلحة التى انتهت بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة فى 14 يونيو/حزيران 2007 ، حينها تحول الإنقسام السياسي بين الحركتين إلى انقسام جغرافي وسياسى معاً ، حينها عانت الساحة السياسية الفلسطينية خلال فترة الانقسام من عدد من الإشكاليات والمعيقات وأسباب أخرى من دوافع المصالحة ، وأهمها : عدم انخراط كل مكونات الشعب الفلسطيني تحت مظلة واحدة ، رغم كثرة الحديث عن ترميم هياكل وأنظمة وبرنامج منظمة التحرير الفلسطينية ، وانضمام حركتى حماس والجهاد الاسلامى إليها ، وغياب الرؤية الاستراتيجية الموحدة للفصائل، وعدم التوافق على أولويات العمل الوطني ، وعدم التوافق والتناسق بين برنامجي المفاوضات والمقاومة ، إلى جانب تشتت مراكز صناعة القرار الفلسطيني وتعرضها لضغوط داخلية وخارجية عديدة [10].

ويرى الباحث أن الشعب الفلسطينى أشبع وعوداً ومحالاوت وتدخلات واتفاقات وقرارات خلال سنوات الانقسام العجاف ، والتى دفع خلالها ثمناً باهظاً ، من جوعه ودمه وصبره ومعاناته ، وأضحى ضحيةً للواقع المرير الذى حوله أشبه بالأسير فى سجن كبير.

وترك الانقسام الكثير من الآثار الجسيمة عليه فى كل مناحى الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والتى كان أهمها :

1- تذرعت إسرائيل ومعها الولايات المتحدة الأمريكية بغياب الشريك الفلسطيني للسلام وبالتالي تهربت من إلتزامات واستحقاقات العملية السياسية  .

2- مكن الانقسام إسرائيل من التفرغ للاستيطان بالضفة وتهويد القدس بشكل غير مسبوق ، كما مكنها من اتخاذ قرارات عنصرية كيهودية الدولة بدون ردود فعل دولية.

3- التشكيك بقدرة الشعب الفلسطيني في حكم نفسه بنفسه وهذا ما شجع على طرح مشاريع الوصاية .

4- فقد المقاتل الفلسطيني والسلاح الفلسطيني احترامه وهيبته أمام العالم وأمام الشعب عندما أصبح السلاح الفلسطيني يوجه للفلسطيني [13].

5- تحويل القضية من قضية شعب يناضل من اجل الحرية والاستقلال لصراع على السلطة بين من يُفترض أنها فصائل حركة تحرر وطني.

6- تراجع الاهتمام الدولي بالقضية كقضية سياسية إلى مجرد اهتمامات إنسانية من إغاثة ومساعدات غذائية ورفع للحصار الخ.

7- الانقسام لم يعد سياسيأ وجغرافيأ فقط بل امتد ثقافيا واجتماعيا وقانونيا، ووصل الأمر حتى للزواج حتى باتت بعض الأسر تسأل عن الفتاة أو الفتى إن كان من فتح أو حماس قبل الزواج.

8- في ظل الانقسام لا يمكن بناء إستراتيجية عمل وطني أو تشكيل قيادة عمل وطني وهذا ما ستكون له نتائج خطيرة ليس فقط على فلسطينيي الضفة وغزة بل على فلسطينيي الشتات ومستقبل القضية.

9- زيادة تأثير التدخلات الخارجية في القضية الوطنية سواء تعلق الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية والأوروبيين والدول الإقليمية

10- أضعف الانقسام من خيار المقاومة وحتى الانتفاضة بشكلها السلمي بسبب انقطاع التواصل ما بين الضفة وغزة ، وبما سببه من غياب مرجعية واحدة يمكن أن توجه الحالة النضالية[14]، وهذا ما اتضح فى انتفاضة القدس 2015 قياساً بانتفاضتى ( 1987 – 2000) ، وتفرد اسرائيل بقطاع غزة بثلاث حروب طاحنة متتالية .

11- " خلف الانقسام أزمة اقتصادية ، مع انقطاع الرواتب والحصار المالى الكامل على السلطة والشعب الفلسطينى ، تلك الأزمة التى فاقمت الأزمة الموجودة أصلاً بفعل سياسة الإغلاق والحصار الاسرائيلى التى أدت إلى ارتفاع كبير فى البطالة وازدياد معدلات الفقر ، الأمر الذى يجعل التكافل الاجتماعى غير قادر على التخفيف من الأزمة الجديدة .

12- غياب شبه كامل للقانون وحالة فوضى وفلتان عارمة واندلاع معارك اقتتال داخلى متفرقة من الممكن أن تنتقل وتمتد إلى كافة المناطق ، وسقوط مقولة " حرمة الدم الفلسطينى " .

بات واضحاً للقوى السياسية كافة ، استحالة بقاء الأمور على ما هى عليه ،واستحالة الاستمرار فى سياسة المناكفة وتبادل الاتهامات ، وبضرورة العودة إلى اجراء مراجعة سياسية شاملة فى اطار من الحوار الوطنى يشارك فيه القوى السياسية كافة ، وكذلك فعاليات المجتمع المدنى وممثلو القطاع الخاص ، ولكن المخرج من الأزمة جاء من خلف القضبان من الحركة الوطنية الأسيرة [15].

ثانياً ، الأسرى والإنقسام الفلسطينى :

لعبت الحركة الوطنية الأسيرة فى سجون الاحتلال دوراً فريداً ومميزاً فى المصالحة الوطنية الفلسطينية ، من خلال إصدارها وثيقة الأسرى بعد حالة الاقتتال والإنقسام السياسى الذى وقع بين حركتى حماس وفتح ، وقد جاءت وثيقة الأسرى أو " وثيقة الوفاق الوطنى " لتشكل رافداً يؤسس لحوار وطنى شامل يبنى عليه فى إعادة اللحمة الوطنية لمؤسسات السلطة الوطنية وفصائل العمل الوطنى الفلسطينى ، وفى التاسع من مايو / آيار 2006 تم الإعلان عنها باسم الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة فى السجون الإسرائيلية [16].

كما سبق من ذكر ، قرأ الأسرى المأزق الفلسطينى قبل وقوعه ، وشاهدوا نهاية النفق المظلم قبل الدخول إليه ، فحذروا القوى الفلسطينية من الانجراف نحوه كونه سيقوض أسس المجتمع الفلسطينى وركائزه ، ولن يكون إلا لصالح العدو الإسرائيلى ومشروعه الصهيونى .

القيادى فى الجبهة الديمقراطية مصطفى بدارنة أحد صناع وثيقة الأسرى وصف بعد تحرره فى صفقة وفاء الأحرار متابعة الأسرى للأوضاع المتفاقمة فى الخارج بالقول " كنا كأسرى نراقب ونتابع بكثير من القلق والخوف حالة الصراع المحتدم على السلطة والنفوذ ، بعد حالة الاستعصاء التي بدأ يعيشها النظام السياسي الفلسطينى فى أعقاب انتخابات المجلس التشريعي الثانية 2006، والتى كانت تنذر بمخاطر الحرب الأهلية ، وهذا ما دفعنا لأن نبادر قبل بدء أعمال مؤتمر المصالحة في رام الله أيار/2006 بشهرين تقريباً لتدارس الحالة الوطنية باتجاه بلورة مشروع سياسي وطني نقدمه باسم الحركة الأسيرة للقوى الوطنية خارج المعتقل، ومع بلورة فكرة مؤتمر المصالحة أسرعنا في إنجاز وثيقة الوفاق الوطني لنقدمها لطاولة الحوار الوطني في ذلك المؤتمر ، كنت الوحيد فى قسم آخر من السجن ، ولكن هذا لم يمنع تواصلي مع الآخرين إلى أن تم إنجاز صيغة نهائية للوثيقة ، حيث ساعدتنا بعض الظروف لأن التقي الأخ مروان مباشرة في قاعة زيارة الأهل لتخصيص ذلك الوقت للحديث حول تلك الصيغة واعتمادها نهائياً، هذا بالطبع كان على حساب لقائنا وحديثنا مع أهلنا الذين جاؤوا لزيارتنا، الذين لم ينالوا الا بعض الدقائق للحديث معنا " [17].

والقيادى فى الجبهة الشعبية الأسير عبد الرحيم ملوح وصف جهود الأسرى لتجنب الإنقسام بعد تحرره بالقول " بدأ نقاش مستفيض ومعمق بين الأسرى القادة للبحث عن أقوى وأضعف سبل التقاطع والاختلال فى الساحة الوطنية للوصول إلى أفضل صيغة جامعة للاتفاق على برنامج وطنى موحد للعمل السياسى الفلسطينى ، واستمرت الحوارات داخل المعتقل لمدة شهرين كاملين ، ما بين نقاش وحذف وإضافة للأفكار ، وكتابة مسوداتها وتعديلها ، إلى أن خرجت الوثيقة بالشكل المعروف لأبناء شعبنا ، ومن الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أن الأسرى القادة كلهم تعاونوا بشكل مثمر وبنَّاء فى صياغة تلك الوثيقة الهامة[18] ، ومن أبرز القادة اللذين صاغوا الوثيقة مع التأكيد على مشاركة كوادر وتنظيمات أخرى كانوا ممثلى شعبهم فى مطلب الوحدة الوطنية ، وممثلى تنظيماتهم فى وضع خريطة المصالحة الممثلة بوثيقة الأسرى من داخل السجون وهم :

1-  القائد الأسير مروان حسيب البرغوثى ممثلاً عن حركة فتح :

من مواليد 6 يونيو / حزيران عام 1958 ، فى قرية كوبر شمال غرب مدينة رام الله [19]، اعتقل وهو في الصف الأول الثانوي في العام 1978 وحكم لمدة 4 سنوات ، واضطر لإكمال دراسته داخل المعتقل حيث انهى شهادة الثانوية العامة ، وبعد خروجه من المعتقل التحق بجامعة بيرزيت في العام 1983 ليدرس العلوم السياسية، وخلال دراسته انتخب رئيسا لمجلس الطلبة فيها ، وفي العام 1987 كانت له مشاركته الفاعلة فى الانتفاضة ، وبعد اعتقاله في ذات العام نفي الى الاردن ومن ثم الى تونس، وفي المؤتمر العام الخامس لحركة فتح (1989) انتخب عضو مجلس ثورى فى حركة فتح ، وفي نيسان/أبريل عام 1994 عاد البرغوثي على رأس أول مجموعة من المبعدين إلى الأراضي المحتلة، وبعد بأسبوعين تم انتخابه نائباً للشهيد فيصل الحسيني ، وأمين سر الحركة في الضفة الغربية ، وفي عام 1996 فى إطار الانتخابات الفلسطينية العامة ( الرئاسية والتشريعية ) انتخب عضواً في المجلس التشريعي نائباً عن دائرة رام الله ، وقد عمل في المجلس في إطار اللجنة القانونية واللجنة السياسية .

تعرض البرغوثى إلى أكثر من محاولة اغتيال على أيدي القوات الإسرائيلية ونجا منها، وعند اختطافه في 15/4/2002 ، وفي السادس من حزيران 2004، أصدرت المحكمة المركزية بتل أبيب الحكم الجائر على القيادى البرغوثى بالسجن خمسة مؤبدات وأربعين عاماً.

يذكر أن القيادى البرغوثى متزوج من المحامية فدوى البرغوثي والتي تعمل منذ سنوات طويلة في المجال الاجتماعي والمنظمات النسائية ، وبرزت كوجه سياسي وإعلامي ، وتجولت إلى أكثر من أربعين دولة شرحت فيها للعالم جرائم الاحتلال[20] .

والأسير البرغوثى حاصل على شهادة الماجستير في العلاقات الدولية وعمل محاضراً فى جامعة القدس أبو ديس، وحصل فى العام 2010 على شهادة الدكتوراة في العلوم السياسية من معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة [21] .

 

2-  القائد عبد الخالق حسن النتشة ممثلاً لحركة حماس :

من مواليد 21 اكتوبر / تشرين أول من العام 1954، من مدينة الخليل ، قضى من حياته ما يقارب من 18 عاماً في الاعتقال متنقلاً فيها بين السجون والمعتقلات ، ما بين الحكم والاعتقال الإداري[22] ، وكان أحد مبعدي مرج الزهور فى عام 1992، وخلال اعتقاله الأطول الذى دام عشر سنوات متتالية من العام 2002 حتى العام 2012 ، تواجد فى إحدى تنقلاته فى سجن هداريم ، وقد حرمت زوجته " أم جبير " من زيارته طوال هذه المدة ، وكان أحد صناع وثيقة الأسرى في العام 2006 ، ويعد الشيخ عبد الخالق من أبرز قادة حركة " حماس " في الضفة الغربية ، وله بصمات كبيرة في المسيرة الوطنية والشراكة والوحدة سواء بالعمل الجماهيري والميداني في انتفاضة الأقصى، أو السياسي على كل الصعد، وفى داخل السجون[23] .

3-  القائد بسام راغب السعدى ممثلاً عن حركة الجهاد الإسلامى :

من مواليد 23 كانون أول  / ديسمبر من العام 1960 ، من مخيم جنين شمال الضفة الغربية ، لاجئ من بلدة المزار المهجرة عام 1948 ، درس في  مدارس مخيم جنين ، وبعد انهاء مرحلته الثانوية ذهب الى ايطاليا في العام 1980 للتعليم ، وبعد عام عاد لزيارة ذويه فمنعه الاحتلال من إكمال دراسته ، ومن ثم أنهى دبلوم في المحاسبة[24] ، يعد من مؤسسى حركة الجهاد الاسلامى فى جنين ، وأحد أبرز القيادات السياسية لحركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية ، أمضى حياته ما بين الاعتقال والمطاردة والإبعاد ، وقد استشهد نجليه التوأم " ابراهيم وعبد الكريم ، ووالدته الحاجة بهجة " ، وهو أحد مبعدى مرج الزهور إلى لبنان، عام 1992 مع 416 قيادياً من حركتي حماس والجهاد الإسلامي ، واعتُقل عدة مرات لمدة إجمالية زادت عن 12عام منها اعتقالات إدارية ، وتمت مطاردته لسنوات عديدة ، واعتقل أبناءه عز الدين ويحيى وصهيب مرات عديدة ، واعتقلت زوجته نوال السعدى ثلاث مرات ، مرتان منها فى العام 2008 ، والثالثة في 25 نوفمبر/ تشرين ثاني 2012 .

4-  القائد الأسير عبد الرحيم محمود ملوح ممثلاً عن الجبهة الشعبية :

من مواليد 23 أغسطس/ آب 1945 بقرية أبو كشك قضاء يافا ، ومع حلول نكبة 1948 كان له من العمر ثلاث سنوات ، ولجأ مع عائلته إلى منطقة وادى قانا فى محافظة سلفيت [25]، درس فى مدارس نابلس ، وحصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ من جامعة "بيروت العربية"، وعمل نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، قاوم الاحتلال الإسرائيلي وتعرض للاعتقال والسجن ، والتحق القائد " ملوح " بحركة القوميين العرب مطلع الستينيات، وكان من الرفاق المؤسسين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في 11 ديسمبر/كانون الأول 1967، واعتقل في الأردن عام 1976، وعاد إلى الضفة الغربية مع مجموعة من رفاقه بعد اتفاقية أوسلو بسنوات، ويعتبر أحد كبار المثقفين والأيديولوجيين المنظرين للجبهة الشعبية، واعتقل عام 2002 بعد اجتياح القوات الإسرائيلية للضفة الغربية، ووجهت له تهمة العضوية في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والعضوية في منظمة التحرير الفلسطينية.

حكمت عليه محكمة عوفر العسكرية الإسرائيلية بالسجن سبع سنوات ، وساهم في صياغة وثيقة الوفاق الوطني أثناء اعتقاله ، وشغل أثناء حياته النضالية عدة مناصب تنظيمية منها: عضو لجنة مركزية في الجبهة الشعبية، ومسؤول قيادة الأرض المحتلة في الخارج ، كما شغل عضو مكتب سياسي لسنوات طويلة ، وانتخب في المؤتمر السادس للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين نائباً للأمين العام[26].

5-  القائد مصطفى كامل بدارنة ممثلاً عن الجبهة الديمقراطية :

من مواليد 1964 ، من بلدة يعبد ، ولقد تم اعتقاله في شباط  13 فبراير/ شباط من العام 2003 ، حيث كان مطلوباً للاعتقال منذ نهاية 1995،  ويعد أحد القيادات للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين ، وعضو اللجنة المركزية لها ، واتهمته سلطات الاحتلال بقيادة كتائب المقاومة الوطنية، الجناح العسكري للجبهة الديموقراطية، وادّعت النيابة في سياق الاتهام أن بدارنة كان مكلفاً بقيادة مجموعات عسكرية عملت في محافظتي رام الله والقدس المحتلة ، ونفذت عدداً من العمليات ضد عناصر الجيش الإسرائيلي والمستوطنين ، وقد أصدرت سلطات الاحتلال بحقه السجن لمدة 35 عاماً، بينها خمس سنوات مع وقف التنفيذ [27]، أمضي منها ما يقارب تسع سنوات داخل الاعتقال تنقل فيها بين العديد من السجون ومراكز التوقيف منها : عوفر، نفخة، هواريم، ريمون، جلبوع مجدو، شطة ، وأفرج عنه فى صفقة وفاء الأحرار فى العام 2011 [28].

رابعاً ، وثيقة الأسرى :

أكدت وثيقة الأسرى فى ثمانية عشر بنداً مفصلاً على مجمل القضايا الرئيسية الفلسطينية يوجزها الباحث ، " بتوجيه الخطاب لكل الشعب الفلسطينى فى كل مكان وأينما تواجد ( فى الوطن والمنافى )  ، وحددت الوثيقة هدفه بتحقيق الحرية والعودة والاستقلال ، وتقرير المصير والدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ، وأكدت على حق العودة ومضاعفة الجهد لدعم اللاجئين ، وتحرير جميع الأسرى والمعتقلين كواجب وطني مقدس على الجميع ، وطالبوا بتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وانضمام حركتي حماس والجهاد الإسلامي إليها ، وأكدوا على حق الشعب الفلسطيني في المقاومة بمختلف الوسائل،إلى جانب العمل السياسي والتفاوضي والدبلوماسي والاستمرار في المقاومة الشعبية ، وتوحيد الخطاب السياسي الفلسطيني ، مع ضرورة إجراء إصلاح شامل لمؤسسات السلطة ، وتشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة كل القوى السياسية الراغبة للنهوض بالوضع الفلسطيني محليا وعربيا وإقليميا ودوليا ، والتأكيد على أن إدارة المفاوضات هي من صلاحية "م. ت. ف" ورئيس السلطة الوطنية على قاعدة التمسك بالأهداف الوطنية الفلسطينية ، والعمل على تشكيل جبهة مقاومة موحدة باسم جبهة المقاومة الفلسطينية، لقيادة وخوض المقاومة ضد الاحتلال وتشكيل مرجعية سياسية موحدة لها ، والتمسك بالنهج الديمقراطي والحفاظ على مبادىء الديمقراطية وصونها ، ورفض الحصار ، ودعوة الحكومات العربية لتنفيذ قرارات القمم العربية السياسية والمالية والاقتصادية والإعلامية الداعمة للشعب الفلسطيني وصموده ،والتأكيد على أن السلطة الوطنية الفلسطينية ملتزمة بالإجماع العربي والعمل العربي المشترك ، ودعوة الشعب الفلسطيني للوحدة والتلاحم ورص الصفوف ، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية ، ونبذ كل مظاهر الفرقة والانقسام ، والتأكيد على حرمة الدم الفلسطيني، والالتزام بالحوار أسلوبا وحيدا لحل الخلافات ، وتطوير المؤسسة الأمنية الفلسطينية بكل فروعها للقيام بمهمة الدفاع عن الوطن والمواطنين في مواجهة العدوان والاحتلال، وحفظ الأمن والنظام العام وتنفيذ القوانين ، وتوسيع دور وحضور لجان التضامن الدولية والمجموعات المحبة للسلام لدعم صمود الشعب الفلسطينى [29]" ، وتم التوقيع على الوثيقة باستثناء حركة الجهاد الإسلامي فى فلسطين التى تحفظت على البند المتعلق بالانتخابات والمفاوضات [30] .

 

خامساً ، الاتفاق على الوثيقة :

رحب الكل الفلسطينى بشكل مبدئى بوثيقة الأسرى كمبادرة من الأسرى فى السجون لإعادة الوحدة الوطنية ، وأكد الجميع على أهميتها كأساس للمصالحة ، وبعد مخاض عسير فى أعقاب استئناف الحوارات بين الفصائل نجحت القوى والفعاليات الفلسطينية فى 27 يونيو/ حزيران 2006 فى الوصول إلى اتفاق حول وثيقة نهائية ، أطلق عليها " وثيقة الوفاق الوطنى " وهى بالأساس وثيقة الأسرى بعد أن أدخلت عليها تعديلات بناءاً على اقتراح بعض أطراف الحوار .

 وثيقة الوفاق الوطنى هى الوثيقة الأولى ، فى تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية التى تنجح فى رسم أهداف الشعب الفلسطينيى ونضالاته ، وآليات وسبل تحقيق هذه الأهداف ، كما ترسم منهجاً لاصلاح أوضاع المؤسسة الفلسطينية ، وباجماع القوى الفلسطينية كافة وممثلى المؤسسة الرسمية ، وفعاليات المجتمع المدنى والقطاع الخاص [31].

الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمة أكد على أهمية وثيقة الوفاق بتعديلاتها وتطويراتها وتحديداتها المستوعبة والمعتمدة في لجنة الحوار الفلسطيني ، معتبرها إطاراً توافقياً صالحاً لبرنامج جديد سياسي ونضالي وائتلافي موحد مشترك ، يسعى لتشكيل حكومة وحدة وطنية ، على قاعدة البرنامج الوطني المشترك ، وتجاوز الحالة الانقسامية التناحرية[32] .

خاتمة :

فى نهاية الدراسة يرى الباحث أن وثيقة الأسرى تشكل حالة ابداعية للأسرى الفلسطينيين فى السجون الاسرائيلية ، وأن الوثيقة لا زالت المبادرة الأكثر ملائمة لإنهاء الإنقسام الفلسطينى ، كونها تجيب على القضايا والمتطلبات الوطنية ، ولأنها بعيدة عن التجاذبات والمصالح الحزبية والمطامع الشخصية ، ولأن من عكف على صياغتها قادة لديهم التاريخ والتجربة النضالية ، والقدرة على تفهم الواقع الفلسطينى وتركيبته الاجتماعية والسياسية ، وإدراك خطورة الإنقسام وآثاره على  الكل الفلسطينى فى الداخل والخارج ، ولأن وثيقة الأسرى حصلت على الإجماع الوطنى والإسلامى ، وتم تبنيها ومباركتها حتى من طرفى الانقسام " حركتى فتح وحماس " ، لذلك لازالت صالحة وقادرة على على توحيد الساحة الفلسطينية فيما لو قام المعنيون بتنفيذ بنودها[33] ، وخاصة فى ظل تعثر كل مبادرات المصالحة أو توصلها لاتفاقات دون قدرة على التنفيذ ، والتى خلفت حالة من الريبة والشك وانعدام الثقة والإحباط ، تلك القناعات التى باتت تشكل مكوناً فى الثقافة المجتمعية الفلسطينية ، وأصبح الفلسطينيون يشكون فى كل شىء ، حتى فى قدرتهم على تجاوز واقعهم المرير [34]

 فى ظل هذا الواقع يعتقد الباحث أن وثيقة الأسرى بنقاوتها لا تزال تحافظ على بريقها ، كونها تشكل إرادة الأسرى فى السجون وخارجها ، بما يحملون من قيم وأخلاق وعطاءات وتضحيات وقراءة لخطورة الموقف ، وأمل وطموح عالى فى الوحدة كأسس لاستكمال مشوارهم الذى بدأوه خلال مشوارهم النضالى والجهادى فى معركة التحرير والسيادة والحرية والاستقلال .

 ولا زال يرى الباحث أن هنالك الكثير من الإمكانيات لإعادة الاعتبار للوثيقة فى ظل تأثير المكانة العميقة للأسرى فى السجون ، ولجيش المحررين بعشرات بل بمئات الآلاف خارج السجون ، هذا الجيش المؤثر لمكانته الاعتبارية وحضوره التنظيمى والنقابى والإعلامى فيما لو شكَّل تياراَ ضاغطاً على الفصائل المنقسمة ، ولفظ الشخصيات المتنفذة والحاقدة والمنتفعة من ظاهرة الانقسام خارج النسيج الوطنى وتحميلها مسئولية آثار الانقسام ، واجبارها للقبول بمبادىء وثيقة الأسرى أو وثيقة الوفاق الوطنى التى تم الاتفاق عليها على أرضية بنود وثيقة الأسرى ، كوثيقة إبداعية [35]، وإنهاء الانقسام البغيض الذى أطلق عليه البعض " بالنكبة الثانية " بما خلف من تداعيات سلبية على الصعد.

  ملاحظة / يحتفظ الباحث بمصادر الدراسة لحفظ حقوق الملكية / ولكونها أحد مباحث رسالة الدكتوراة

يمنع الاقتباس دون ذكر المرجع بالمعلومات التالية :

-     د. رأفت خليل حمدونة : الجوانب الإبداعية في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة

في الفترة ما بين 1985 إلى2015، القاهرة ، رسالة مقدمة للحصول على درجة الدكتوراة في قسم العلوم السياسية ، معهد البحوث والدراسات العربية ، 2015 ، ص 222 – 232 .

تعليقك على الموضوع

تم ارسال التعليق

المكتبة المرئية

أول مؤتمر لمركز الأسرى للدراسات

المكتبة الصوتية
  • دحية الأسرى / كلمات د. رأفت حمدونة
  • قهر السجن / كلمات د. رأفت حمدونة
  • فى تحريرك يا غزة / كلمات د. رأفت حمدونة
  • حررنا - عبد الفتاح عوينات
  • صرخة مارد